روايات رومانسيه

رواية في هواها متيم الفصل الحادي و العشرين


قال الإمام أحمد: “الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب.. لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين.. وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه”

٢١-” كذبة ساحرة”

تعالت وتيرة أنفاسه ، وراح صدره يعلو ويهبط لا يصدق أنه سمع منها كلمة كتلك ، فهى تستجديه بالبقاء بل لا تريده أن يبتعد ،تتخذ منه حصناً آمناً فهذا ما كان يريد سماعه منها ، إلتفت برأسه لها ونظر إليها ، وجدها تطالعه بخضراوتيها بشئ من الخوف ، كطفلة تائهة لا تعرف السبيل إلى النجاة

فما كان منه سوى أن حاول يبث بنفسها الأمان وهو يقول :
– متخافيش يا حبيبتى أنا معاكى

لم تبدى إعتراضاً على قوله تلك الكلمة ، بل ضمنها مزيداً من الأمان ، الذى يريدها أن تشعر به ، فأماءت برأسها مراراً وهى تقول:
– ماشى يا رفيق

بدأ الخجل يزحف لوجنتيها ، فتركت قميصه ببطئ ، وأشار لها بالجلوس ، فأمتنت لعرضه فهى تشعر بأن قدميها غير قادرتان على حملها ، جلست وجلس هو بجانبها بل أنه أسر يدها بين كفه وتشابكت أصابعهما سوياً

ورفع رأسه يشير لفاروق وإلهام قائلاً:
– أتفضلوا أقعدوا أنتوا واقفين ليه

على مضض جلس فاروق على أحد المقاعد وجلست إلهام بالمقعد المجاور له ، فصمتا ولم يبدو أن أحداً منهما سينوى الحديث

فزفر رفيق قائلاً بهدوء :
– خير أنتوا كنتوا عايزين تطمنوا على ليان وباسم مش كده أظن كده أنتوا أطمنتوا وعرفتوا أنهم هنا فى أمان وكويسين

شبك فاروق يديه ببعضهما البعض قائلاً:
– واضح أوى أنهم كويسين وأنك عملتلهم غسيل مخ بسرعة أوى

خرجت ليان عن صمتها وهى تقول بصياح :
– يعنى ايه عملنا غسيل مخ إحنا هنا عايشين كويس وأنا مبسوطة مع جوزى وبحبه كمان

أثلجت صدره بقولها ، حتى و إن كان يعلم أنها لم تقول ذلك ، إلا حفاظاً على صورتها أمامهما ، ولكن لايهم يكفى أنه سمع منها كلمة الحب حتى وإن كانت لا تقصدها

نهضت إلهام وهى تقول :
– يلا بينا يا فاروق أدينا أطمنا عليهم ربنا يسعدك يا حبيبتى

بدون أن تحاول توديع إبنتها مثلما فعلت عند مجيئها ، كانت تسرع الخطى نحو باب المنزل ، فنهض فاروق هو الاخر ولكنه لم ينسى أن يلقى نظرة كارهة لرفيق ، ويتوعد له بداخله من أنه لن يتركه يهنأ بالحصول عليها

بعد رحيلهما ، صعد رفيق لغرفته وكفه قابضاً على يد ليان ، فهو أصدر قراره من قبل أنها ستمكث معه بالغرفة الخاصة به ، ولكن بمجئ والدتها وزوجها نسيت أن تناقشه بقراره هذا فهى غير مستعدة للإقامة معه بمكان خاص بهما ، على الأقل ليس الآن ، ولكن يبدو عليه أن لديه التصميم الكامل لتنفيذ ما قاله أو بالأصح ما آمر به

فوقفت بوسط الغرفة تضم ذراعيها أمام صدرها ، محاولة منها أن توقف إرتجاف جسدها ، خاصة بعد رؤيتها لذلك الفراش الواسع والوثير الخاص به ، فهى لم تنسى نظرته عندما طلب من والدته أن تجعل الخادمة تقوم بنقل أغراضها إلى غرفته ، فنظرته كانت نظرة تهديد فهى اذا عارضت كلامه ستنال منه عقابا شديداً فاضطرت أن ترضخ لحديثه وان تذهب معه

يعلم ما تشعر به الآن ، ولكنه لم يلق بالا لما تفعله ، فهو فى غرفة الثياب يقوم بتبديل ثيابه ليأدى صلاته ويذهب للنوم فغدا لديه مهام كثيرة بالشركة انتظرته حتى انتهى من صلاته ولكن قبل ذهابه الى فراشه استوقفته قائلة بصوت مرتجف :
–:” ممكن اعرف ليه انت عايز تخلينى اقعد معاك فى اوضة واحدة انت عارف أن جوازنا جواز على الورق علشان تبقى واصى عليا وده الكلام اللى تيتة الله يرحمها قالتهولى”

رد رفيق قائلاً بهدوء:
–:” عارف كل الكلام ده”

خفضت وجهها أرضاً وقالت:
–:” طالما الموضوع كده ليه بقى اقعد معاك فى اوضة واحدة أنا كان ممكن اقعد مع رهف فى اوضتها”

جلس رفيق على حافة الفراش وهو يقول:
–” رهف للاسف سريرها مش كبير مش هتعرفى تنامى جمبها كويس وأكيد أنتى تعبتى من النومة الغير مريحة دى”

أزدردت لعابها قائلة بخجل:
–:” هاتلى سرير وحطهولى فى أوضة رهف وكده تتحل المشكلة”

رد رفيق قائلاً بنفاذ صبر:
–:” مش هجيبلك حاجة ، ولو مش عايزة تنامى هنا روحى نامى فى الجنينة يا ليان ومتوجعيش دماغى بقى عايز أنام ورايا شغل الصبح”

–:” انت بارد اوى يا دكتور رفيق”
قالتها ليان فجأة ، فوضعت يدها على فمها ، فما تلك الرعونة التى تحدثت بها ، ولكن لسانها لم يعتاد بعد على أن يقول أكثر الكلمات لطفاً له ، بل مازال معتاداً على الهجوم ، ولكنها حقاً لا تريد أن تتشاجر معه خاصة الآن

إلتوى ثغره بإبتسامة ساخرة وهو يقول:
–:” مقولتيش حاجة جديدة تصبحى على خير بقى وبطلى دوشة”

كزت ليان على أسنانها وقالت:
– :” طب انام انا فين دلوقتى ها”

رد رفيق قائلاً ببرود :
–:” فى المكان اللى يريحك تصبحى على خير”

تمدد على فراشه منهياً حديثه معها ، فهو يعلم انها لن تكون مهمة سهلة ، أن يراها أمامه وأن تشاركه غرفته او ربما تشاركه الفراش أيضاً ، ولكن منذ أن علم أنها كانت تحب ذلك الشاب المدعو ماجد ، وكأن قلبه انطفأت به تلك الجذوة ، التى اشتعلت مؤخراً ، فحتى لو كان قلبه مازال يخفق ، لابد من ان يميته ، مثلما أماته سابقًا ، فربما هذا قدره وهذه ستكون حياته ، حتى تنتهى أيامه بتلك الدنيا ، التى لازمه بها قلة الحظ من الحب والعشق

فمسكين هذا القلب ، الذى كلما نبض من أجل انثى ، تكون هى الأنثى الخاطئة ، فيكفينى جراحاً أيها القلب ، فلترحمنى ولتعد لسباتك الثلجى مرة أخرى ، فأنت ستخفق فقط من أجل أن تجعلنى على قيد الحياة ، كأنه يصدر أوامره التى يريد ان ينصاع لها هذا القلب ، الذى بدأ يعلن تمرده عليه منذ أن رأى تلك الفتاة التى أصبحت تسمى…زوجته

ظلت تدور حول نفسها ، تحاول ايجاد اى مكان لتنام به وجدت أريكة بالغرفة ، ولكنها لن تكون مريحة ، فماذا تفعل هى الآن ؟ فهى تشعر بارهاق شديد ، وتريد ان تنام ، وجدت غطاء خفيف ، سحبته تدثر نفسها به ، فى هذا الليل البارد ، ظلت تنظر اليه وهى تراه يتقلب بفراشه ، بينما هى تنام على تلك الأريكة ، التى اذا حاولت ان تغير من وضع نومها ستسقط ارضاً ، شعرت بثقل أجفانها ، فأغمضت عينيها وذهبت بسبات عميق

ظل رفيق ينظر اليها بعد أن غفت ، وكأنه يزيد من احساسه بخيبة أمله في حبه ، فرأها على وشك السقوط ، هب سريعاً من مكانه ، ووصل اليها قبل أن تقع على الأرض ، فتلقاها بين ذراعيه ، وبالرغم من ذلك لم تفيق من نومها

وجودها بين يديه اشعل لهيباً فى قلبه ، فوجد نفسه يبتعد سريعاً ، بعد أن وضعها على الأريكة مرة اخرى ، وكأن شئ خفى قد لدغه ، جعله يبتعد عنها ، فربما أيامه القادمة ، ستشهد جحيماً لم يمر به فى حياته ، التى قضاها فى شقاء سواء بدنى او نفسى
______________
جاءت سارة للشركة مبكراً اليوم ، فهى أرادت إنهاء كتابة إستقالتها قبل مجيئه ، فهى ستقدمها لرفيق وستغادر الشركة قبل أن يأتى ، فهى لا تريد أن تزيد من شعورها بأنها فعلت شئ خاطئ وأنها تركت قلبها يميل لرجل ليس حراً ، فجلست على المقعد خلف مكتبها وسحبت ورقة بيضاء ، خطت عليها كلمات الإستقالة ، وبعد إنتهاءها خرجت من غرفة مكتبها وأتجهت صوب غرفة مكتب رفيق

طرق الباب عدة طرقات وأذن رفيق للطارق بالدخول ، فولجت الغرفة بإستحياء ، وتقدمت من مكتبه قائلة :
– صباح الخير يا مستر رفيق كنت عايزة حضرتك توافقلى على طلب الإستقالة ده

مدت يدها بالورقة ، فأخذها رفيق وهو مقطب الجبين من قرارها المفاجئ ، فتطلع إليها بحيرة:
– وليه عايزة تقدمى إستقالتك يا باشمهندسة سارة هو الشغل هنا فى مشكلة

أسرعت سارة بتحريك رأسها سلبها وهى تقول :
– لا والله ابدا بس علشان المسافة من بيتى لهنا بعيدة جدا وكمان والدتى محتاجة أن أكون جمبها علشان تعبانة فأنا قررت أن اشوف شركة تكون قريبة من البيت علشان هى مالهاش غيرى ياخد باله منها

يعلم أنها تكذب بشأن تلك الأسباب ، التى تريد من أجلها ترك العمل هنا ، فهو علم من أكمل بشأن إنجاذبه لها ، وربما هى الأخرى حالها لا يفرق عنه ، لذلك قررت الابتعاد

زفر رفيق بتيه من أن الأمر صعب إصدار حكم به يرضى جميع الأطراف ، ولكن ربما هذا أفضل ، فأخذ الورقة وخط إسمه بطرفها

فرفع رأسه لها وتبسم بدون مرح :
– تمام يا أنسة سارة ربنا يوفقك

بادلته سارة الابتسام ، بإبتسامة تحمل بين طياتها الألم ، فخرجت بعد ذلك من غرفة مكتبه ، بل من الشركة بأكملها ، فقبل الإبتعاد إلتفتت تنظر للمبنى نظرة أخيرة ، قبل أن تشير لعربة أجرة لتعيدها للمنزل ، فهذا هو القرار الصائب بالوقت الحالى

وصلت سيارة الأجرة أمام البناية السكنية ، التى تقطن بها ، دفعت ما عليها من أجرة ، وترجلت من السيارة ، صعدت الدرج تشعر بأن المسافة من الدور الأول للسطح طويلة جداً ، ففكرت بشأن أن يتركا تلك البناية ، وتبحث عن مكان اخر لتعيش به هى ووالدتها

وصلت للغرفة وهى تلتقط أنفاسها ، كمن كانت تركض بسباق ، وجدت والدتها تجلس أمام الغرفة ، فتركت مكانها وأقتربت منها وهى تقول :
– سارة إيه اللى رجعك كده من الشغل بدرى

ردت سارة قائلة:
– أصل قدمت إستقالتى يا ماما من الشركة وهشوف مكان تانى أشتغل فيه

دبت والدتها صدرها وهى تقول:
– يالهوى ليه يا بنتى كده دا انتى كنتى بتقولى أنها شركة كويسة وكان مرتبك كويس

حاولت سارة الابتسام وهى تمسد على ذراعيها لتطمأنها :
– هو نصيبى فى الشغل أنتهى لحد كده يا ماما ومتقلقيش إن شاء الله هلاقى شغل تانى وقريب منك علشان أعرف أراعيكى أنتى مريضة ومحتاجة حد ياخد باله منك أنا هدخل أرتاح شوية علشان أبقى انزل أدور على شغل تانى

أنهت سارة حديثها مع والدتها وولجت للداخل ، ومازالت والدتها تفكر فيما قالته من أسباب رآت أنها غير مقنعة ، فربما إبنتها تواجه مشكلة وهى لا تعلم ، فلتتركها الآن على أن تتحدث معها لاحقاً

أرتمت سارة على الفراش وهى تفكر فى صحة قرارها ، الذى أخذته اليوم ، فهذا أفضل للجميع ، عوضاً عن تصبح الأمور أكثر تأزماً ، فهى ستحاول أن تنسى تلك المشاعر ، التى شعرت بها بغير محلها ، فهو ليس حراً ولن يكون ، فهى لم تفكر مطلقاً بتخريب حياته ، فهى عندما بدأت تشعر نحوه بإنجذاب ، لم تكن تعلم أنه زوج وأب أيضاً
________________
ذلك الشعور الناجم عن غيرتها منذ علمها بأن ربما هناك شئ خفى بين رفيق وليلى ، جعلها لا تحسن التفكير أو أن تعى على ما يحدث ، فهى تقضى أوقاتها بتحليل تلك العواطف الجديدة التى بدأت تطرأ عليها ولا تخلو من الخطورة ، فأن يجعلها رفيق تشعر بأن ما كانت تكنه لماجد لم يخرج من نطاق حب طفولة ساذج وبرئ وأن أحلامها الوردية البريئة باتت الآن تحمل طابع الجرأة والطمع بحبه ، لهو بالأمر الذى يستحق التفكير ، حتى أنها باتت لو أن يتخلى رفيق عن بروده ولا يضع إعتباراً لأى شئ أخر سوى أن يجعلها تشعر به وبحبه لها ، فما زال تصريحه لها بالحب ، يجلدها بسياط الندم والغباء ، على أنها أنهت الأمر بإتهام سخيف من كونه يفتعل ذلك الحب

فتحت رهف عين وأغلقت الاخرى ، تنظر إليها كأنها لا تصدق مايحدث بالأونة الأخيرة ، وأن ليان أصبحت حقاً زوجة أخيها ، فهى كانت تعلم بشأن أنها تحب شخص اخر

فرفعت ليان شفتها العليا وهى تقول:
–:” مالك يا أختى بتبصيلى بعين ونص ليه كده”

ضحكت رهف وقالت :
–:” مزبهلة من اللى بيحصل انا فى قمة الازبهلال”

قطبت ليان حاجبيها وهى تقول:
–:” لاء متزبهليش أنتى أساساً كنتى كل الوقت ده بتخمينى وبتضحكى عليا وهو اخوكى وأنا مغفلة ومااخدتش بالى من إسمك وإسمه”

قبلتها رهف على وجنتها وهى تقول:
–:” اصل حبيتك جدا والله وخفت اقولك تاخدى منى موقف وترفضى تصاحبينى بس الصراحة دى اجمد مفاجأة حصلت اجمد من الجمودية نفسها “

وكزتها ليان بكتفها قائلة بتفكه :
–:” تعرفى تسكتى يارهف بكلامك ده اللى بيودينى فى داهية وبيضحكنى”

تبسمت رهف قائلة :
–:” المهم نورتى البيت أنتى وباسم هو فين صحيح وأنتى سبتينى أنام لوحدى ليه

إصطبغ وجه ليان بلون قانى وهى ترد قائلة:
–:” باين عليه قاعد مع مامتك تحت ثم أخوكى هو اللى أصر أروح أقعد معاه فى أوضته”

حاولت رهف تغيير دفة الحديث حتى لا تزيد من شعورها بالخجل ، فقالت متفكهة كعادتها :
–” تعالى ننزل لهم تحت زمان ابيه رفيق ومالك راجعين من الشغل يلا بينا بقى انزل اعمل هجوم وسطو مثلث على التلاجة”

نظرت لها ليان وتساءلت :
–:” هم اخواتك بيشتغلوا فين مش رفيق بيشتغل دكتور فى الجامعة بس”

حركت رهف رأسها برفض وهى تقول:
–:” لاء مبيشتغلش فى الجامعة بس ابيه رفيق هو وصاحبه فاتحين شركة والحمد لله شغالة كويس بيشتروا أراضى وبيبنوا عمارات ومالك هو المهندس المعمارى اللى بيعمل تصميمات المبانى شوفتى اخواتى عسلات إزاى يلا بينا بقى علشان جعت وشنطتى شطبت على كل اللى فيها على ما أروح أملاها من السوبر ماركت

قهقهت ليان على قولها وهى تقول :
–:” انتى مفجوعة كده ليه يا رهف يا ستير يارب”

أغمضت رهف عيناها وقالت بهيام :
–:” الاكل بالنسبة ليا اسلوب حياة فى بينى وبينه عشق لا ينتهى “

ابتسمت ليان على قولها ، ولكنها تذكرت أيضاً ذلك الرجل الذى يبدو عليه كأنه خلق من فلاذ ، و لايمكن اى شئ يؤثر به ، حتى كلماتها التى تعلم هى انها كلمات واهية تتسلح بها لتدارى ضعفها كحواء تنشد الأمان من آدم

أثناء مرورها من أمام تلك المنضدة ببهو المنزل ، وجدت عنوان تصدر الصفحة الأولى من الجريدة لفت إنتباهها ،فأخدت الجريدة تحدق بتلك الصورة لذلك الشاب ، والذى لم يكن سوى ذلك الشاب من بلدتها والذى يدعى ” بكر”

قرأت الخبر بنبرة شابها الصدمة وهى تقول :
– مقتل شاب أثناء مداهمة الشرطة لوكر لبيع المخدرات وأسفرت النتائج أن الشاب يدعى بكر المرسى وهو من قرية ريفية كان يعمل بالأونة الأخيرة بتجارة المخدرات

رفعت رأسها بعدما أنتهت من قراءة الخبر ، ولكنها شعرت بشعور طفيف من الحزن ، على أن مصير ذلك الشاب العابث هو الموت قتلاً

قبل أن تسألها رهف عن من يكون هذا الشاب ، دلف رفيق إلى المنزل يتبعه مالك ، فألقت الجريدة من يدها ، فحاول رفيق أن لا ينظر اليها ، فقام بالقاء تحية سريعة عليهم ، ثم ذهب لتبديل ثيابه قبل تناول العشاء

هبط الدرج وجلس على رأس المائدة يتابع الحوار بين أسرته ، فوالدته تشمل باسم برعايتها ، كأنه طفل صغير بحاجة للعطف والحنان

فوضعت له الطعام بطبقه وهى تقول:
–:” كل ياباسم انت مكسوف يا حبيبى”

رد باسم قائلاً بخجل:
–:” لاء حضرتك أنا باكل أهو “

تبسمت له منى قائلة :
–” متقوليش حضرتك قولى ماما منى يا باسم أنت وليان”

أماء باسم برأسه قائلاً:
–:” حاضر يا ماما منى”

أراد مالك المزاح مع زوجة شقيقه ، فنظر إليها قائلاً:
–:” منورة يا ليان نورك غطى على الكهربا والله “

شعرت ليان بالخجل من قوله ، فردت قائلة:
– :” شكراً يا باشمهندس مالك”

إبتلعت رهف الطعام العالق بجوفها ومن ثم قالت:
–:” بصى يا ليان انا ومالك بنحب الهزار جدا بالمعنى الصريح كده احنا نجيب الشلل فاحسنلك تاخدى على الجو بسرعة وانت ياباسم فك كده متبقاش زى اختك نكدى”

ردت ليان بسرعة قائلة :
–:” لمى نفسك احسنلك يا رهف ماشى”

قالت رهف بغرور مصطنع :
–:” ولا تقدرى تعملى حاجة أنتى هنا على أرضى “

زفر رفيق قائلاً بهدوء:
–:” أظن الأكل له احترامه ياريت تاكلوا وانتوا ساكتين”

ردت والدته قائلة :
–:” سيبهم يا رفيق دمهم عسل الاتنين”

نظرت له ليان بطرف عينيها ، وحولت بصرها لوجه والدته وهى تقول:
–:” شكرا يا ماما منى أنتى احلى ماما علشان خلفتى رهف”

تصنع مالك العبوس وهو يقول:
–:” طب والحزين اللى زيى ملوش كلمتين حلوين”

تبسمت ليان وقالت:
–:” وعلشان خلفتى مالك كمان”

دب مالك على صدره بهدوء وهو يقول متفكهاً :
–:” الله يكرم اصلك شكراً على ثقتك الغالية دى”

أفلتت منها ابتسامة عريضة ، أصابت قلبه برجفة قوية ، فأغمض عينيه بتعب ، وأطلق نهدة حارة سمعها كل الحاضرين ، فنظروا اليه وتعجب هو علام ينظرون

فزوى ما بين حاجبيه قائلاً:
–:” انتوا بتبصولى كده ليه يا جماعة فى حاجة ولا ايه”

نظرت والدته له قائلة بإهتمام :
–:” انت تعبان ولا ايه يا حبيبى ساكت ومبتتكلمش زى عوايدك وكمان اتنهدت كده جامد زى ما يكون فى حاجة تعباك”

نظر رفيق لطبقه ، حتى لا يتمكن أحد من قراءة ما كتب على وجهه بوضوح ، فرد قائلاً:
–:” مفيش بس كان فى شغل كتير النهاردة فأنا حاسس أن أنا مرهق شوية عن اذنكم”

هب واقفا قاصداً حديقة المنزل ، فهو يريد أن يجلس بمفرده ، لعل الهدوء يريحه ولو قليلاً ، من تلك العواصف التى تعصف بقلبه ،و تقلب حياته رأساً على عقب
______________
تدور حول نفسها بغرفتها ، فهى لم تهتدى بعد لحل يمكنها من التقرب منه ، فحتى إصرارها بالتقرب من عائلته ، لم تأتى بالنتائج المرجوة ، لم تخرج من دوامة أفكارها إلا على طرق الخادمة لباب الغرفة

فنظرت ليلى تجاه الباب وهى تقول:
– أيوة فى إيه

– حضرتك فى واحد تحت بيقول أنه جوز حضرتك
قالتها الخادمة بأدب ، فى إنتظار قولها

فأنتفضت ليلى من مكانها وهى تقول:
– جوزى ده إيه كمان

أرتجفت الخادمة من صوت صيحتها ، فوجدتها تسرع بخطواتها للدور السفلى ، هبطت ليلى الدرج والشياطين بأثرها ، فوجدت ما يدعى زوجها أو إذا صح القول طليقها

فأقتربت منه بخطاها وملامحها الغاضبة فصرخت بوجهه قائلة :
– أنت ايه اللى جابك هنا إحنا مش خلاص أتطلقنا وكل واحد راح لحاله

تبسم ذلك الرجل ووضع يده بجيبه قائلاً بتسلية :
– طلقتك وجاى علشان نرجع لبعض تانى فيها إيه يعنى يا حبيبتى أكتشفت أن مقدرش أعيش من غيرك يا ليلتى

فغرت ليلى فاها بعد سماع ما قاله ، فأرتدت بخطواتها للخلف وهى تتلعثم قائلة :
– نرجع لبعض تانى ! ومين قالك إن أنا عايزة أرجعلك أنا مصدقت خلصت منك

بثلاث خطوات قطع المسافة بينهما ، فنأت بجسدها عنه ، قبل أن يمد يده ويقبض على ذراعها ، فإبتسم على فعلتها وقال :
– ما قولتلك أنا مقدرتش أعيش من غيرك ، فإيه رأيك بقى تطلعى تجيبى شنطتك وتخلينا نروح للمأذون نتجوز تانى ونروح بيتنا

– لاء مش هاجى معاك
قالتها ليلى بإحتجاج صريح

فما كان منه سوى أن أقترب أكثر ، حتى لم يعد لديها مهرب منه ، فهو يعلم سبب رفضها القاطع ولكن يعلم أن قلبه لايريد غيرها ، فعندما وقع الطلاق بينهما ، ظنت أنها نالت حريتها منه ، ولكنه فعل ذلك ليجعلها تكف عن المشاجرات التى كانت تفتعلها معه ، لتجعل صبره ينفذ ويمنحها الطلاق ، فهو يعلم كيف يجعلها تعود إليه منصاعة ، فبتلك السنوات التى كانت بها زوجة له ، علم طباعها جيداً ،وعلم أيضاً كيف يجعلها تتخلى عن جمودها وصلابتها

فمد يده بداخل سترته وأخرج منها بعض الأوراق وهو يقول :
– حتى لو قولتلك أن أنا موافق نفتح فرع لشركة الأزياء فى دبى وأنتى اللى هتبقى مشرفة عليه هناك واشتريتلك هناك البيت اللى كان نفسك فيه

بدأ تاثير حديثه على وجهها ، فإبتسمت ببطئ قائلة :
– وإيه اللى خلاك تغير رأيك وتعمل ده كله ما أنت كنت رافض وأتخانقنا بسبب الموضوع ده وأنت طلقتنى

أقترب من وجهها هامساً :
– الصراحة يا ليلى أنتى اللى زودتيها بقيتى عايشة على الخناق بينا وأى حاجة تقوليلى طلقنى وكل بنى أدم وله طاقة بس صدقينى إحنا الاتنين مننفعش إلا لبعض ونقدر نفهم بعضنا كويس فعلشان كده عايز نرجع لبعض قولتى إيه

رفعت ليلى يديها ووضعت شعرها خلف أذنيها وهى تقول:
– أوك موافقة بس البيت اللى هتشتريه فى دبى هيتكتب بإسمى ، بس كمان فى عرض للأتيليه بتاعى هنا على ما أخلصه تكون أنت خلصت كل حاجة فى دبى ونسافر على طول إيه رأيك

أماء برأسه بهدوء ، يعلن موافقته على كل مطالبها ، فهمس بأذنها قائلاً :
– طب يلا روحى هاتى شنطتك علشان نرجع بيتنا هو البيت ده كنتى شرياه ولا مأجراه

ردت ليلى قائلة :
– لاء كنت مأجراه وإيجاره هيخلص على أول الشهر

– خلاص مش مهم ، أبقى بلغى صاحبه انك خلاص ماشية وأدى الخدامة مرتبها ويلا خلينا نمشى
أنهى حديثه ، فأسرعت بتنفيذ ما قاله ، فهو سيحقق لها ما أرادت من أحلام بأن تمتلك منزلاً وعملاً بالمكان الذى رغبت به ، فهى حتى لم تفكر مطلقاً بأمر رفيق وتصريحها له بأنها كانت ماتزال تحبه ، فها هى تقوم بلملمة أغراضها لتعود لمنزل زوجها ، بعدما أعطاها وعداً بتنفيذ مطالبها ، فهى إمرأة متطلبة وتريد تنفيذ أحلامها بأى طريقة ممكنة
________________
بعد مرور بعض الوقت ،ذهب كل منهم إلى غرفته ، ولجت ليان الغرفة بتوتر ، فماذا تفعل هى الآن؟ فهى ايضا تريد النعاس، فأين ستنام فلا يوجد فى الغرفة شئ يغرى بالنوم عليه ، فنومها على الأريكة أصاب جسدها بالتيبس فى مفاصلها ، ففكرت أين ستنام الآن ، الا اذا كانت ستنام على الأرض

وجدت نفسها تذهب بجوار الفراش تسحب وسادة ، وتسحب أيضاً الغطاء الذى يتدثر به ، فوجدته يهب جالساً على الفراش ينظر اليها بنظرة استياء قابلتها هى بنظرة باردة

فصاح بها قائلاً :
–:” ايه اللى انتى عملتيه ده بتسحبى الغطا من عليا ليه”

ردت ليان قائلة ببرود:
–:” ليه عايزنى أنام على الأرض من غير غطا علشان يجيلى برد”

زفر رفيق من أنفه قائلاً بغضب:
–:” وتنامى على الأرض ليه اصلا ما تنامى على السرير ، ايه مش عاجب سعادتك يعنى انك تنامى جمبى “

إبتلعت ليان لعابها قائلة:
–:” عايزنى انام جمبك ، متعودتش انام انا جمب حد غريب “

رفع رفيق حاجبه الأيسر قائلاً بسخرية:
–:” انا مش غريب على فكرة انا جوزك ولا أنتى حابة تعملى شغل العيال بتاعك ده يا تافهة”

هل نعتها بصفة التفاهة الآن ، هل مازال لديه رصيد لا ينتهى من الاهانات ، التى تصيبها فتجعلها راغبة فى الثأر منه

فرفعت يدها تشير لنفسها وهى تقول:
–:” بتقولى انا يا تافهة بتقولى انا الكلام ده”

–:” اوعى يكون عقلك مصورلك انك ممكن تقلى ادبك عليا واسكتلك او اسيبك تتمادى فى كلامك وتصرفاتك تؤتؤ لاء يا حلوة انتى بتحلمى انا عندى استعداد اكون كابوس من كوابيسك لو فضلتى بقلة ادبك ومحترمتيش نفسك هتبقى مؤدبة خير وبركة وربنا يعدى الايام دى بخير هتقلى ادبك يبقى متلوميش الا نفسك لأن انا بصبر وبستحمل زى الجمل كده بس اول لما بيقلب بيقلب صاحبه فهمتى يا ليان وخليكى فاكرة كلامى ده كويس وخلى مقولة اتق شر الحليم إذا غضب دى فى عقلك على طول قبل ما تتصرفى تصرف ميعجبنيش”

أنهى رفيق حديثه والتقط أنفاسه ، فهو يشعر بأن أعصابه على وشك الإنفجار ، فكأن كل الاحداث التى مر بها بالأونة الاخيرة ، جعلته يفقد صوابه ، فهو يعلم انها لم تفعل شيئاً الآن يستحق اللوم منه ، ولكن يأسه من الحصول على حبها ، جعله يريد أن يساهم بفكرة رحيلها من المنزل ، فربما يهنأ عيشه بعد ذلك

ردت ليان قائلة بإنفعال وعيناها على وشك البكاء :
–:” تصدق انا خوفت من كلامك ، انا خوفت اهو خلاص ولا عايزنى أعمل ايه”

عناد وتمرد ، جمال يأسر الحواس ، لسان سليط وروح ثائرة ، حورية عنيدة صغيرة ، ترهق قلبه اكثر فأكثر ، حتى بات قلبه ينشد منه الرحمة ، فهو الذى كان يأمره منذ بضع لحظات أن يكف عن التأثر بها ، ليجد نفسه فى الدقيقة التالية يزيد فى خفقانه أكثر ، كأنه على وشك تحطيم تلك الضلوع ، التى بمثابة سياج تحيطه ، مانعة له ان يقفز خارج صدره من شدة دقاته

وجد نفسه كأنه مسلوب الارادة ، ينهض من على فراشه يقف مواجه لها ، تتحدث هى بانفعال ترغى و تزبد من الغضب لايسمع كلمة مما تقوله ، فهو يركز بصره على حركة شفتيها ، يلاحظ انفراج شفتيها بغضب ، لتضمها بتذمر وتهمهم من خلالهما بكلمات لا يفهمها

بدون أن يعى ما يفعل ، رفع يده يتحسس قسمات وجهها بأنامله ، لم يعى ما يفعل الا عندما وجدها تنفض يده عنها وهى تقول بما يشبه الخوف :
–:” انت بتعمل ايه ها”

كأنه أنتبه على ما قالته فرد قائلاً:
–:” انا عملت ايه ياليان”

أرتدت بخطواتها للخلف وهى تقول:
–:” أسأل نفسك عملت إيه دلوقتى”

خطا خطوة تجاهها وهو يقول :
–:” حقى وانتى كلك حقى “

جف حلقها من بعد قوله فأرتجف صوتها وقالت :
:” يعنى إيه أنا حقك مش فاهمة تقصد إيه بكلامك ده”

خطوة أخرى أمر قدميه بأن تخطيها وهو يقول:
:” قصدى اللى أنتى فهمتيه يا ليان مش يمكن تعيشى سعيدة معايا أنا بحاول أقاوم مشاعرى ناحيتك بس مش قادر كل ما أقول لاء مش هفكر فيكى أرجع تانى وألاقينى مش قادر أوفى بالعهد اللى باخده على نفسى ، عينيكى عاملة زى الخمرة المحرمة اللى كل ما أقول أن هتوب عنها مبقدرش أتوب معقولة أنتى بتحبى الشاب ده أوى ومش مخليكى قادرة تشوفى حد غيره”

كأنها فاتها تلميحه ، فردت قائلة بعدم فهم :
– شاب مين ده اللى تقصده

حدق بها رفيق بقوة وهو يقول:
– ماجد ، أنا عرفت أنه هو الشاب اللى كنتى تقصديه بكلامك انك بتحبى واحد تانى

فهى كأنها تعجبت من وقع إسم ماجد على أذنيها ، فهو لا يعلم أن منذ افعاله بالتقرب منها جعلها لا تتذكره ، فردت قائلة بدون وعى منها على حديثها الذى ينطلق من بين شفتيها :
– ماجد ! أنت متعرفش أنك خليتنى مقدرش أفكر فيه أو فى حاجة تانية ، مبقتش عارفة أفكر فى حد غيرك أنت يا رفيق
___________
يتبع ….!!!!!
أنار الله دروبكم وأسعد قلوبكم وفرج كروبكم ورزقكم سعادة الدارين ❤️❤️❤️
قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: أول بدعة حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الشبع، إن القوم لما شبعت بطونهم، جمحت بهم نفوسهم إلى الدنيا.

٢٢ – ” قلبى يهواك “

لم يعد بإمكانها سحب كلماتها ثانية ، فهى قد زل لسانها وأنتهى الأمر ، ولعل ذلك أفضل ، فهى لن تقضى وقتها بأكمله تقاوم شعورها نحوه ، فهى قد قالتها وقضى الأمر ، انتظرت أن ترى أثر عبارتها بنفسه ، فوجدته مازال يحدق بها بما يشبه الذهول ، كأنما تجمدت ملامحه وتيبست أطرافه ، ولن يكون قادراً على التحرك ثانية

أرادت لململة أذيال خيبتها ، فربما هو قد سأم من أفعالها الطفولية ، لذلك تجده لا يأتى حراكاً ،كأنها لم تصرح له بأنها لا تفكر بأحد غيره

خطت بقدميها صوب باب الغرفة ، وهى تشعر بدموع المهانة ملحة على عينيها ، ولكن قبل أن تصل للباب ، كان هو قابضاً على ذراعها ، فجعلها تستدير إليه ، وحدق كل منهما بوجه الأخر بصمت ، ولكن قبل أن تتفوه بكلمة ، جاءها عناق حار منه ، كادت تشعر بأن أنفاسها ذابت تحت وطأة شعورها بالخجل ، أحست بأصابعه تطبق على ذراعها النحيل ، ولكنها لم تستطع ان تفعل شيئاً ، ولكن لمسته جعلت شعوراً جميلاً يسرى بحواسها ، ولكن كان عليها أن تضحى بمشاعرها ، وتبتعد فهى لا تريد الغرق بتلك الهاوية الآن ، فهى تريد وقت كاف للتأقلم على وضعها ، ولكنها لم تكن سريعة إلى حد كاف ، فكفيه يقبضان على ساعديها كأنهما قفل حديدى ، وبإستطاعتها أن تشعر بدقات قلبه الهادرة بداخل صدره

فحاولت مرة أخرى أن تضع مسافة كافية بينهما وهى تهتف به برجاء :
– رفيق أرجوك أدينى وقتى اللى أقدر أتأقلم فيه عليك وعلى وضعى الجديد

أنحسرت موجه جنونه العارم ، بسماع رجاءها له ، فكيف غفل عن أنها مازالت صغيرة ، وبحاجة لمزيد من الوقت ، فأسرع فى الإبتعاد عنها وهو يقول :
– أسف يا ليان أن مقدرتش أتحكم فى نفسى

لم تكن تريد إعتذاره بقدر حاجتها أن يبث بقلبها الأمان ، وأن يجعلها تأمن صحبته ، فقبل أن تتهدل قسمات وجهها بشعور الإحباط ، كان يعود ويضمها إليه بحنان ، كأب يشعر بأن إبنته بحاجة إليه ولن يخيب رجاءها به

فإستمعت له يكمل حديثه قائلاً:
– أنا مستعد إستناكى عمرى كله يا ليان بس أكون واثق أنك فى الأخر هتكونى ليا مش عايز أتعلق بأمل والأخر ألاقى نفسى فى كابوس

أخذ قلبها يدق بعنف ، وانطلقت الكلمات من بين شفتيها بهمس:
– أوعدك أن مش هكون لحد غير ليك بس أن عايزة أخد وقتى بحيث أكون قادرة نبدأ حياتنا مع بعض يعنى ممكن نعتبر الفترة دى فترة خطوبة أقدر أعرفك وتعرفنى فيها كويس

كلماتها التى كانت تفيض حلاوة ووعوداً ، قد بدا اثرها على وجهه فرد قائلاً:
– أنا موافق يا ليان بس خليكى قدام عينى متبعديش عنى

أردف بكلماته وذهب إلى فراشه ثانية وهو يسحبها من يدها بدون ان يسمع منها كلمة إعتراض ، فجعلها تستلقى على الفراش ودثرها بالغطاء جيداً ، فحاولت أن تزوغ بعينيها من عيناه المتألقتين ، فعلى الطرف الأخر من الفراش ، كان يتمدد على جانبه الأيسر واضعاً يديه أسفل رأسه ، وينظر لها لا يصدق أنها الآن قريبة منه ، فحولت بصرها عنه ، فهذا الرجل بات شعور يتسلل بداخلها ، أنه قادر على سلب قوة ارادتها وجعلها منصاعة له ، فتخشى أن يرغب بوصالها فتطيعه على الفور ، رغما عن تلك الوعود والعهود التى أخذتها عليه
________________
منذ سماعه بخبر إستقالتها من الشركة و احتمال خطبتها ، وهو يسير فى رواق المنزل ذهاباً وإياباً ، كأسد جريح لايقوى على ان يتحمل جراحه الثاخنة ، فلم الحياة تعانده فمن تكون زوجته ، غير مبالية به لا تهتم سوى بنمط حياتها الذى يثير فى نفسه الحنق والغضب ، فرآها تخرج من غرفة النوم بعد إنتهاء زينتها ، التى تبدو على أكمل وجه

فأستوقفها بصوته قائلاً :
– شهيرة أنتى راحة فين

رفعت شهيرة يدها تزيح شعرها من على جبهتها وهى تقول:
– راحة عيد ميلاد واحدة صاحبتى وإحتمال كمان أبات عندها النهاردة

فغر أكمل فاه بعد قولها ، فهل وصل بها الأمر للمبيت خارج المنزل ، فهى قضت على أخر ذرة تعقل لديه ، فصرخ بوجهها قائلاً:
– تباتى إيه ! أنتى عايزة توصلى بينا لفين عايز أعرف أنا خلاص زهقت وطهقت

نفخت شهيرة بضيق وقلبت عيناها بملل وقالت :
– بقولك أيه يا أكمل مش هنبدأ بقى الحوار ده من تانى ولا تحب أخلى بابى المرة دى ينفذ تهديده ويخرب بيتك أنت وصاحبك باى يا بيبى وخلى بالك من كنزى على ما أرجع

خرجت من الباب ، وهو مازال يحدق بأثرها بشئ من الحدة ، فماذا يفعل أكثر مما يفعله معها ، فهو تخلى عن كبرياءه من أجل ضمان سلامته وسلامة صديقه من أذى عامر لهما
فهو عندما ظهرت له فتاة ، شعر بالحب نحوها ، كان غير قادر على ان يخطى خطوة إيجابية ، بسبب تلك المرأة التى يشعر انها تكبل روحه بأغلال واصفاد لاسبيل له على التحرر منها

لم يفيق من عواصف افكاره الا على صوت صغيرته تناديه وهى تقول بتذمر :
–:” بابى بابى عايزة اخرج يا بابى انا زهقت من اللعب فى البيت “

أنحنى إليها وجلس أمامها قائلاً :
–:” عايزة تروحى فين يا حبيبتى”

صفقت كنزى بيدها وقالت بحماس :
–:” عايزة اروح عند سارة”

فمالها تلك الطفلة تتحالف مع افكاره ، التى تدور بذهنه ، فلم ينتظر ان تزيد ابنته كلمة اخرى ، وجد نفسه يأخذ بيدها يتجه الى سيارته ، ليذهب الى منزلها ، فتلك النيران فى قلبه لا تهدأ فكثرة التخيلات ، ربما ستصيبه بالجنون ،وصل إلى تلك البناية التى تقطن بها ، وخرج من سيارته يصطحب طفلته

وصل الى تلك الغرفة ،التى تسكنها ، فطرق الباب وفتحت سارة الباب بدهشة جلية على وجهها ، وهى تراه يقف على الباب يلتقط أنفاسه ، بسبب الدرج العالى الذى تسلقه ليصل اليها

فقطبت حاجبيها وقالت:
–:” أستاذ اكمل “

رد أكمل وهو يحاول إلتقاط أنفاسه :
–:” انا اسف ان انا جيت فى وقت زى ده بس كنزى كانت عايزة تشوفك”

تبسمت سارة للصغيرة وهى تقول:
–:” اهلا كنزى نورتى الدنيا كلها”

فردت الصغيرة بخجل قائلة :
–:” شكرا يا سارة وحشتينى”

سمعت والدتها صوت احد يحدثها ، فتركت ضيوفها وخرجت لترى من القادم ، فدهشتها لم تقل عن دهشة ابنتها ، ولكنها رسمت ابتسامة خفيفة على وجهها وهى ترحب بقدومهما :
–:” اهلا يا استاذ اكمل اتفضل نورت”

حاول أكمل أن يبدى أسفه على القدوم وهو يقول:
–:” أنا بجد آسف على أن جيت فى وقت زى ده بس كنزى كانت بتعيط علشان تشوف سارة”

حاولت والدتها تقبل عذره الواهى ، فهى لم تكن ساذجة ، لترى نظرات ذلك الرجل ، ولكن اذا صح ظنها فهى لن تسمح له بأن يغرر بعقل ابنتها ، فهو اولاً وأخيراً متزوجا ولديه طفلة

فأشارت لهما بالدخول قائلة :
–:” لا ابدا اتفضلوا دا حتى عندنا ضيوف”

فهو ربما يعلم من يكون الضيوف ، فلابد انه العريس ، الذى أخبرته عنه ، فدلف أكمل إلى الغرفة ووقع بصره على ذلك الشاب ، فهو شاب حقاً وسيماً ، ويبدو عليه أنه شاب جيد وهذا مازاد فى شعوره بالغيرة ، التى تكاد ان تفتك بقلبه ، فألقى التحية عليهما

فرفعت والدة سارة يدها تشير له وهى تقول:
– ده الأستاذ أكمل صاحب الشركة اللى كانت سارة بتشتغل فيها ودى بنته كنزى دى ست روحية جارتنا وابنها الاستاذ طارق”

مد طارق يده يصافحه وهو يقول:
– :” اهلا تشرفنا يا استاذ أكمل”

صافحه أكمل قائلاً:
–:” الشرف ليا واسف لو كنت جيت فى وقت مش مناسب”

تبسمت والدة طارق قائلة :
–:” بيقولوا الخير على قدوم الواردين”

تبسم أكمل بشعور خالى من السعادة وهو يقول:
–:” متشكر جدا على ذوقك”

جلست سارة تشعر بمشاعر صاخبة فوضوية ، فلماذا أتى هو الآن ؟ ألا يكفى انها تحاول التماسك بالكاد حتى ترى الى ماذا ستؤل أمورها ؟ ولكنه اتى فى تلك اللحظة الحاسمة ، لينثر رماد افكارها الواهية ، يجعلها تنفض عن ذهنها ماكانت تنوى فعله

مرت عدة دقائق بصمت مطبق ، كأن الجالسين يخشون أن يتفوهوا بكلمة ، ولكن ابتسمت والدة طارق معتذرة لتغادر برفقة ابنها مع حصولها على وعد من والدة سارة بالرد عليها فى شأن تلك الزيجة

فنهضت من مكانها قائلة بإبتسامة ودية :
–:” احنا هنمشى بقى يا أم سارة وأبقى ردى عليا”

أماءت والدة سارة برأسها وهى تقول:
– :” ان شاء الله شرفتونا ونورتونا”

تبسم طارق لسارة قائلاً:
–:” السلام عليكم يا باشمهندسة سارة”

أطرقت سارة برأسها وهى تقول:
–:” وعليكم السلام “

لما يلفظ اسمها ولما يناديها ، فأكمل الآن ليس بوعيه ، فهو كأنه يريد ان يجابه ذلك الشاب ، الذى بات عقله يوسوس له بأنه سيأخذ حق من المفترض يكون له هو ، ربما عقله اصابه الجنون فهى ليست من حقه ، ولكن قلبه قد اعلن عليه راية العصيان
بعد ذهابهما كأنه وصل الى حافة تحمله ، فهو يجب أن يخرج ما بداخله ، والا ربما سيتعس قلبه ، لما تبقى من عمره

وجد نفسه بعد خروج طفلته للعب خارج الغرفة ، ينظر لوالدة سارة يخاطبها كأنه يستجديها وهو يقول:
–:” انا طالب ايد بنتك سارة وأرجوكى توافقى”

ذهول وصدمة تملكت من حواسهما ، فماذا يقول هذا المجنون الآن ؟

ردت والدة سارة قائلة بصدمة :
–:” انت بتقول ايه يا استاذ اكمل انت حضرتك واعى بتقول ايه”

قال أكمل بإصرار :
–:” ايوة انا فعلا عايز اتجوز سارة ارجوكى توافقى”

هبت والدة سارة واقفة وهى تصيح بغضب :
–:” أستاذ أكمل أنت ناسى أنك متجوز ومخلف أنت عايزنى أفرط فى بنتى لراجل متجوز وأنت إزاى تفكر أنك تتجوز على مراتك أنت كده تبقى خاين لمراتك”

حاولت أكمل تبرير فعلته ، فطفق يقول :
–:” أنا ومراتى مفيش بينا تفاهم وأنا بجد حبيت بنتك وعايز اتجوزها”

رفعت سارة رأسها ، بعد سماعها تلك الكلمة منه ، فماذا يقول؟ هل يصرح بحبه لها الآن؟

نظرت له والدة سارة قائلة بجمود :
–:” وأنا آسفة معنديش بنات للجواز واتفضل حضرتك أمشى من هنا والحمد لله أن بنتى قدمت إستقالتها من الشركة مع السلامة يا استاذ أكمل”

أغمض أكمل عينيه ، يحاول التماسك من ذلك الشعور بالخذلان ، فربما هى لديها كل الحق فيما قالته ، وجد نفسه يخرج من الغرفة ويأخذ طفلته ، متجه الى منزله يكمل عمره فى حياته الزوجية البائسة

لم تستطيع سارة منع دموعها وشهقاتها ، التى انطلقت مع مغادرته ، فنظرت لها والدتها بعين الغضب ، فهى علمت الآن سبب تركها للعمل بالشركة

فأقتربت منها وقبضت على ذراعها بشئ من التعنيف وهى تقول:
–:” بتعيطى ليه أنتى دلوقتى ها أنتى كمان حبتيه مش كده بس بقولهالك أهو يا سارة دا مش هيحصل أبداً انا مش هميل بختك يا فرحتى الوحيدة ولا عايزة حد يقول عليكى أنك خطافة رجالة وأخدى الراجل من مراته”

لم تزد كلمة اخرى ، فأرتمت سارة على فراشها تكتم صوت بكاءها ، فربما سيصيب قلبها الشقاء اكثر وخاصة بعد علمها بحبه لها هو أيضاً ، ولكن تعلم أن والدتها فعلت الصواب ، فهى لا تريد أن ينظر لها الأخرين بأنها صائدة للرجال ، وتسببت بخراب بيت إمرأة أخرى من أجل سعادتها
_____________
شعرت كأن العديد من الفراشات الملونة راحت تضرب قلبها بجناحيها منذ رؤيتها له وهو يلج القاعة الدراسية ، فعودتهما للدراسة اليوم شهد صخبًا من خفقات قلب يهوى آسره ، فما أن وقف أمام ذلك المكتب الصغير ، وقع بصره عليها هى وشقيقته ، فهما جالستان بالمقدمة ، لا يفصل بينه وبينهما سوى بضع خطوات ، ماستان براقتان ، كل منهما ملكت شطرًا من قلبه ، إحداهما مدللته والأخرى ساحرته ، فإبتسم على غير عادته عندما يكون بالقاعة الدراسية ، فربما إبتسامته كانت ذات وقع غريب بنفوس الطلاب ، الذين لم يروه يبتسم مرة واحدة خلال تدريسه لهما منذ بدأ العام الدراسى

ولكن جاءت عبارته الهادئة متممة لشعورهم بأن ربما من يقف أمامهم ليس ذلك المحاضر متجهم الوجه الذى كان عليه دائماً :
– أخباركم إيه كلكم ، وإن شاء الله تكون إجازة نص السنة كانت اجازة سعيدة عليكم ، وتكونوا عملتوا ريفريش لعقلكم ، علشان تقدروا تكملوا الترم التانى ، يلا بينا نبدأ بسم الله الرحمن الرحيم

بدأ الشرح وساد الصمت ، ولكن ليان شعرت بأن ذلك الهدوء والصمت ستفسده تلك الخفقات التى علا صوت طنينها بأذنيها ، فمن يراها وهى تكاد تلتهمه بعيناها بشغف ، لن يصدق أنها كانت تتمنى موته أحياناً كثيرة

فبتذكرها ذلك الأمر ، راحت تتمتم بصوت هامس:
– بعد الشر عليه ، يارب احفظه واحميه علشان خاطر الناس اللى بتحبه

ردت رهف قائلة بذات الهمس :
– يارب يا أختى يارب

أطمئنت ليان لعدم إنتباه رفيق عليهما وهو يوليهما ظهره لكتابة بعد النقاط الهامة على تلك اللوحة الدراسية المتصدرة الجدار ، فأدنت برأسها من رهف قائلة :
– أنتى رامية ودنك فى بوقى يا رهف ، خلى يومنا يعدى ، دا النهاردة لسه أول يوم فى الترم التانى ، كفاية فضيحة الترم الأول

أدعت رهف الحكمة والجدية وقالت :
– متقلقيش هبقى مؤدبة ومش هضحك ، بس موعدكيش أنا ….

لم يسعفها الوقت بقول شئ أخر ، إذ وجدت شقيقها يلتفت إليهما يزجرهما بنظراته الحادة ، فأبتلعت لعابها لعلمها بأن ربما أفرطتا بهمسهما حتى بات مسموعًا ، فألتزمتا الصمت حتى أنتهى الوقت ، فخرجتا من القاعة وظلت تبحث عنه بعينيها لترى أين ذهب ؟ كأن تفقد شعورها بالأمان كلما غاب عن عيناها ، ولكن نظرت بهاتفها بعد رنينه دليلاً على وصولها رسالة نصية

ففتحت الرسالة وقرأتها بصوت منخفض :
– أنا عارف أن لسه عندكم محاضرات تانية بس أنا روحت الشركة لشغل ضرورى ، أول ما تخلصوا خلوا السواق يوصلكم على البيت على طول مفهوم يا ليان

زفرت بإحباط ، فإنتبهت رهف عليها ، فعلمت ما أصابهما بعدما أخبرتها برحيل رفيق من الكلية ، فأقترحت رهف قائلة:
– أقولك بعد المحاضرات هنزوغ ونروح لأبيه الشركة إيه رأيك

سعدت ليان بإقتراحها فردت قائلة :
– ماشى هو أنتى عارفة الشركة فين ؟

حركت رهف رأسها بالايجاب وهى تقول :
– أه طبعاً ، دا الموظفين هناك عارفنى برهف أم لبان وشيكولاتة

أبتسمت ليان على قولها وعادتا للقاعة الدراسية ، فبعد إنتهاء المحاضرات ، أوصت رهف السائق الخاص بتلك السيارة الخاصة بها هى ووالدتها بأن يذهب بهما للشركة ، فظلت ليان طوال الطريق تفكر فى رد فعل زوجها إذا رآها ، فهى تخشى أن يشعر بالضيق أو الإستياء لعدم سماعها لأمره بأن تعود هى ورهف للمنزل ، فقبل أن تحث رهف على أن تخبر السائق بعودتهما ، وجدت رهف تصيح بسعادة من أنهما وصلتا للشركة

فترجلت ليان على مضض ، كأنها تخشى أن تطأ المكان بقدميها ، ولكن رهف جرتها خلفها حتى وصلوا للطابق الواقع به غرف مكاتب المدراء

فأقتربت رهف من بسمة وهى تبتسم قائلة :
– هو أبيه رفيق جوا يا بسمة

ردت بسمة قائلة بإبتسامة هادئة:
– لاء فى أوضة الاجتماعات خمس دقايق ويرجع مكتبه هى مين دى اللى معاكى

ردت ليان قائلة بسرعة :
– أنا أبقى واحدة قريبتهم

عقدت رهف حاجبيها فقبل أن تقول شيئاً ، جذبتها ليان من ذراعها لتجاريها بكذبتها ، فكأنها خشيت التصريح بكونها زوجته ، ولا تعلم سر تصرفها هذا ، ولجتا غرفة مكتب رفيق ومرت الخمس دقائق ورآت رفيق يلج الغرفة

فما أن رآهما حتى أسرع بخطواته تجاههما وهو يقول بقلق :
– أنتوا جيتوا هنا ليه حصل حاجة

إبتسمت رهف وردت قائلة:
– مفيش حاجة يا أبيه متقلقش أنا جبت ليان تتفرج على الشركة هو مالك فى مكتبه أروح أرخم عليه

هز رفيق رأسه بهدوء ، فخرجت رهف من الغرفة ، بينما ظلت ليان جالسة مكانها ، كأنها تخشى التحرك من مكانها ، فأقترب رفيق من تلك الأريكة الجالسة عليها وجلس بجوارها قائلاً:
– إيه رأيك فى الشركة عجبتك ؟ بس كده متسمعوش الكلام وبدل ما تروحوا البيت تيجوا هنا

أزدردت ليان لعابها وردت قائلة بخفوت:
– هى رهف اللى اقترحت عليا والصراحة أنا وافقت بسرعة علشان كنت عايزة أشوفك وأنت صاحب الشركة ، لايق عليك الدور القيادى أوى

لا يعلم إرتجاف يدها الملحوظ عائداً لشعورها بالبرد ، أم هناك سبب أخر ، فما أن أخذ يديها بين كفيه ، حتى زفرت ليان زفرة مطولة ، كأنها بذلك تحاول إخراج ذلك الهواء الجاثم بصدرها ، والذى إذا ظل عالقاً برئتيها سيصيبها بالإختناق لا محالة

فإبتسم قائلاً بتسلية لعلمه بما أعتراها :
– يعنى عجبتك وأنا عامل مدير

ظلت تهز رأسها بالإيجاب ، تتمنى لو أن بإمكانها أن تخبره أن يطلق سراح يديها ، وإلا ستظل تؤمى برأسها هكذا ببلاهة ولن تفه بكلمة ، فأمتنت لتلك الطرقات على الباب ، لكونها جعلته يتركها ويأذن للطارق بالدخول ، فالقادمان لم يكونا سوى رهف ومالك ، فألقى مالك عليها التحية بإبتسامته البشوشة وبعد مرور نصف ساعة أعلن رفيق عن ضرورة عودتهما للمنزل

فبالمنزل كانت والدتهم جالسة تتفكه مع باسم ، الذى عاد بعد إنتهاء يومه الدراسى بتلك المدرسة الجديدة ، التى إنتقل إليها ، وأنهى مذاكرته وجلس مع سيدة المنزل لحين عودة باقى أفراد الأسرة

فما أن رآى شقيقته هب واقفاً وأقترب منها واحتضنها وهو يقول بسعادة :
– ليان المدرسة الجديدة دى حلوة أوى

ربتت ليان على ظهره وردت قائلة بحنان :
– الحمد لله يا حبيبى أن المدرسة كويسة وعجبتك ، سيبنى بقى أطلع أغير هدومى وأنزل تحكيلى بالتفصيل عملت ايه فى المدرسة

هبت منى واقفة ورحبت بعودتهم ، فأمرتهم بحزم قائلة :
– يلا غيروا هدومكم وتعالوا علشان تاكلوا دا انا عملتلكم محشى مشكل و ورق عنب ومكرونة باشميل والحلوة بسبوسة وكنافة

صاحت رهف قائلة:
– يا نهارى على الريجيم اللى هيروح فى داهية النهاردة بسبب ست الحبايب يا حبيبة ، بس ولا يهمنى يغور الريجيم ، احنا هنعيش كام مرة ، أغرفى يا ماما ثوانى وهكون أول واحدة على السفرة

صعدت رهف الدرج بخطوات شبه راكضة ، وذهب كل منهم لتبديل ثيابه ، فأسرعت ليان بتبديل ثيابها حتى تخرج من الغرفة ، فتلك الحدود التى وضعتها معيارا لإلتزامهما بذلك الوعد المختص بأخذ وقتهما الكافى للتأقلم على طباع بعضهما البعض ، جعلها تحترس أثناء وجودها معه بمكان واحد ، فما أن رآت مقبض باب المرحاض يتحرك دلالة على أن رفيق أنتهى من إغتساله ، فرت هاربة من الغرفة وهبطت الدرج للطابق السفلى

مر شهراً كاملاً على المنوال ذاته ، صخباً عالياً و أصوات تصم الأذان ، اغمض عينيه ووضع يديه على أذنيه ، لمنع تلك الأصوات من أن تتسلل الى مسامعه فربما لديها الإصرار أن تصيبه بالصمم ، ولكن بالرغم من ذلك تصنع الهدوء محاولاً ضبط أعصابه ، فهو يكره الصوت العالى بشدة

فناداها قائلاً بحزم :
–:” ليان وطى صوت التليفزيون شوية مش عارف أركز فى شغلى كده”

أسرعت ليان بإطفاء التلفاز وهى تقول :
–:” أنا أسفة أصل مبعرفش اتفرج على التليفزيون الا اذا كان صوته عالى كده وانا بردانة والجو سقعة ومكنتش قادرة أنزل تحت أتفرج على المسلسل اللى متبعاه

إبتسم رفيق على قولها وقال :
– طب هو مينفعش تتفرجى على المسلسل إلا لما تعلى الصوت أوى كده دا أنتى حتى ودانك توجعك من الصوت العالى يا حبيبتى “

بالرغم من ذلك أخذته الشفقة عليها ، فقام بسحب إحدى الأغطي 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى